للكلمة جمالها البالغ الذي تطرب القلب وتداعب العقل وتنتشي بها الروح، وهي جماع فكر وثقافة واهتمام وميول، وأخيرًا شغف وحب بما نريد أن نتواصل به، وهي نتاج عاطفة باحت بها الحروف، وزينتها المعاني.
وفي مقدمات الكتب المسطورة يضع الكاتب جماع أمره ونتاج فكره ويا حبذا لو كان الكاتب قديرًا متمكنا من أدوات لغته فسينشئ أدبًا رفيعًا وإن لم يكن أديبًا، وسيحير عقولنا في استيعاب ما أنشأ وكيف أنشأ، ويحير أرواحنا في بواطن أسرار حروفه كيف أبدعها وماذا يقصد بها.
وقد وقعت على مقدمات كثيرة جدًا في كتب الأدب واللغة ومختلف العلوم وجدت فيها خلاصة تجربات كاتبها في أسلوب يكاد يكون معجزًا، وكأن خلفه حلاوة الجمال وسِحر الشرق المشهور بجاذبيته وغموضه ووضوحه في آن واحد، وكأن يدًا معجزة تمسح على كل حرف من حروفها بعد أن تمسح على قلب وعقل وروح قائلها وكاتبها؛ ولذلك بهرت الحروف والكلمات المسطورة في كتبها ألباب وعقول المتذوقين للغة في كل زمان.
واليوم نقف مع مقدمة كتاب (المثنوى) للإمام جلال الدين الرومي؛ حيث يقول:
"هذا كتاب المثنوى، وهو أصل من أصول الدين في كشف أسرار الوصول واليقين، وهو فقه الله الأكبر، وشرع الله الأزهر، وبرهان الله الأظهر، ۩ مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ۩، يشرق إشراقًا أنور من الإصباح، وهو جنان الجنان ذو العيون والأغصان، منها عين تسمى عند أبناء السبيل سلسبيلاً، وعند أصحاب المقامات والكرامات ۩ خير مقامًا وأحسن مقيلاً ۩، .. الأبرار فيه يأكلون ويشربون، والأحرار فيه يمرحون ويطربون، وهو كنيل مصر شراب للصابرين وحسرة على آل فرعون والكافرين، كما قال: ۩ يضل به كثيرًا ويهدي به كثيرًا ۩، وإنه شفاء الصدور، وجلاء الأحزان، وكشَّاف القرآن، وسعة الأرزاق، وتطييب الأخلاق ۩ بأيدي سفرة كِرام بررة ۩، يتمتعون بأن ۩ لا يمسه إلا المطهرون ۩، ۩ تنزيل من رب العاملين ۩، ۩ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ۩، والله يرصده ويرقبه وهو ۩ خير حافظًا وهو أرحم الراحمين ۩، وله ألقاب أُخر لقبه الله تعالى بها، واقتصرنا على القليل، والقليل يدل على الكثير، والجرعة تدل على الغدير، والحفنة تدل على البيدر الكبير".
فعلا فكرة جميلة اوى موضوع مقدمات الكتب
ردحذفوطبعا المقدمة رائعة