إن الكتابة في موضوع الجمال أمر غاية في الصعوبة، ويحتاج لملكة وموهبة وحسن تنسيق، بالإضافة إلى ذخيرة لغوية كبيرة، ولكن مثلي يجاهد في أن يكتب ما يحس به مستعينا بآراء الحكماء والخبراء في هذا المجال، وقد أصيب وقد أخطئ، وأظن أن المهم هو المشاركة والتواصل مع من يرغبون في مشاركتي.
قالوا عن الجمال الكثير من الأقوال والأحاديث، وكتب الشعراء فيه أيضًا ما بين واصف له، أو معجب بشكل من أشكاله، أو من يرى غير ذلك، ولكن الحكماء كانوا من أميز من تحدثوا عنه؛ وذلك لأن نظرتهم للأمور تختلف عن غيرهم، فمنهم من يرى الجمال في الله عز وجل، ومنهم من يراه في الطبيعة الخلابة، ومنهم من يراه في سكون الليل وقد نشر القمر ضياءه على الكون.
وهذا الإمام أبو حامد الغزالي يرى أن الجمال لا يرى إلا بنور البصيرة القلبية حيث يقول:
إعلم أن المحبوس في مضيق الخيالات والمحسوسات ربما يظن أنه لا معنى للحسن والجمال إلا تناسب الخلقة، والشكل، وحسن اللون، وكون البياض مشربا بالحمرة، وامتداد القامة، إلى غير ذلك مما يوصف من جمال الإنسان.
الحُسن ليس مقصورًا على مدركات البصر، ولا على تناسب الخلقة، وامتزاج البياض بالحمرة.
فلنصرح بالحق ونقول: لكل شيء جماله وحسنه في أن يحضر كماله اللائق به الممكن له، فإذا كان جميع كمالاته الممكنة حاضرة، فهو في غاية الجمال، وإن كان الحاضر بعضها، فله من الحسن والجمال بقدر ما حضر.
الحسن والجمال موجود في غير المحسوسات؛ إذ يقال هذا خَلق حسن، وهذا علم حسن، وهذه سيرة حسنة، وهذه أخلاق جميلة، وإنما الأخلاق الجميلة يُراد بها العلم، والعقل، والعفة، والشجاعة، والتقوى، والكرم، والمروءة.. وسائر خلال الخير. وشيء من هذه الصفات لا يدرك بالحواس الخمس، بل يدرك بنور البصيرة الباطنة.