الأحد، 6 نوفمبر 2011

زخرفة المصحف 3


زخرفة المصحف 3

بدأ تدوين المصحف والعناية به وبخطوطه منذ جمع المصحف في العهود الأولى بين دفتين، واهتم الخطاطون ثم النساخون بمادة الكتابة له أيما اهتمام، فاختاروا له أروع الخطوط وأجملها، ثم أبدعوا فيها بكل ما ألهمته لهم قرائحهم، وظلوا يجودون في رسمه ويرتقون به لقدسيته، حتى أخرجوه في حلة جديدة تتناسب وجلالة منزلته لدى المسلمين، وأثناء رحلة التجويد والعناية برسمه مر المصحف عبر مراحل كثيرة مليئة بالتفاصيل نود هنا أن نلقي الضوء عليها بإيجاز؛ حيث إن هذا الموضوع يحتاج لمجلدات لنوفيه حقه.

أولا: خطوط المصحف:
نتناول الخط هنا كعنصر جمالي في ذاته، وكيف استخدم هنا ليكون ماة للجمال بعيدة عن حرمانية الصور والتجسيدات التي تحرى الفنان المسلم الابتعاد عنها خاصة حينما يتعلق الأمر بالنص الشريف لديه، فوصلوا بالخط إلى غاية الإبداع والإتقان، فجاء الخط العربي مزخرفا مجملا كبديل شرعي عن الصور التي نهى الإسلام عنها.
عرف العر ب الخط منذ أقدم العصور (ما قبل العصر الجاهلي)، وكان خط (المسند) اليمني أول وأقدم هذه الخطوط؛ حيث اعتبره بعض العلماء أقدم الخطوط العربية بل أمها، وكان يسمى أحيانا بخط (حمير).
وكان أهل مكة يكتبون بخط خاص بهم يدعونه خط العرب أو الخط العربي، وعندما جاء الإسلام كُتب الوحي به، وأصبح الخط المكي، أو المدني في بعض تسمياته هو الخط الرسمي للأمة الإسلامية.
بعد الإسلام جعل الفنان المسلم الخط العربي أصل الفنون في محيطه، لأنه الفن الذي يقوم بدورين لا ينفك أحدهما عن الآخر فيه؛ فهو من جهة خط يُحفظ به هذا القرآن المجيد الكريم؛ حيث قال عز وجل ]إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون[؛ فاعتبر الصحابة أن أحد أشكال الحفظ كتابته والعناية به، ومن جهة أخرى هو في نفسه –أي الخط- مادة الفن التي تستوجب عنايته واهتمامه ليكون خطًا جميلا رائعا ينال روعته من قدسية الألفاظ الشريفة التي نزلت من السماء لتحل على قلوب المسلمين، فما كان من الناسخ لها والخطاط بها إلا أن داعبته معانيها ومرَّت بسحرها على روحه فاستلهم في نفسه فنا مبدعا حرك يده بقوة إيمانه وبجلال المهمة التي ينبغي أن يؤديها فانساب مداد قلمه بحروف مضيئة أبدعت هذا المصحف الشريف بين دفتي مجلد مقدس.
فقد كانت بداية رحلة الخط العربي مع المصحف الشريف منذ عهد النبي r بداية متواضعة ما لبثت أن تطورت بعد ذلك وتلقفتها أيدي الخطاطين المبدعين ليطوروا فيها، وذلك بعد نشر المصحف في الأمصار الإسلامية؛ حيث نجد الإمام علي بن أبي طالب t يدعو إلى تحسين الخط وتجويده ويعتبره من أسباب السعادة، فبرز الفن الإسلامي من خلال الخط العربي.
وفي العصر الأموي برز الخطاط لأول مرة وظهرت مهنته للوجود، وبرز عدد من الخطاطين ليجودوا في الخطين اللذين عرفهما العرب وهما أصل الخطوط العربية (الخط المكي، والخط الكوفي)، فعرف الخطاط (قطبة المحرر) الذي ابتدع الخط (الجليل)، حيث استعمله مع خطاطي عصره في الكتابة على أبواب المساجد ومحاريبها.
ثم ابتدع (قطبة المحرر) خط (الطومار)، وخط (الثلث) و(الثلثين)، وكانت هذه الخطوط كلها لها غرض آخر غير كتابة المصحف؛ حيث استعملت في الكتابة –كما ذكرنا على أبواب المساجد ومحاريبها- وكذلك في دواوين الدولة وسجلاتها.
وظهر حينها أيضا الخطاط (خالد بن أبي الهياج) الذي كتب عددًا من المصاحف، وغيره من الخطاطين.
وجاء العصر العباسي لتزدهر فيه الفنون جميعها وطبعا كان الخط من أسبقها للازدهار والتطور، فعد العصر العباسي عصر العلوم والفنون، وبرز عدد من الخطاطين وتعددت أقلامهم، وظهر في هذا العصر من بدايته حتى نهايته أكثر من ثمانين نوعًا من الخط العربي؛ ففيه طور الخط (الثلث والثلثين)، وظهر الخط (المدور الكبير)؛ حيث عمم على جميع الكتب السلطانية، وظهر خط (التوقيع)، وخط (النصف)، وفي هذا العصر ظهر أبو علي محمد بن مقلة الوزير (272-328 هـ)؛ فضبط الخط العربي، وأحكم خط (المحقق)، وحرر خط (الذهب) وأتقنه، وأبدع في خط (الرقاع) وخط (الريحان)، وميَّز خط (المتن)، وأنشأ خط (النسخ).
وكانت المصاحف في العصر العباسي تكتب على الرق بمداد أسود وخط كوفي غليظ، وبعضها بخط دقيق يسمى (المقرمط).
وظهر فى الأندلس الخط الكوفي الأندلسي وكتبت به المصاحف وغيرها من كتب الأديان الأخرى كالنصرانية واليهودية، واستخدم الخط العربي في زخرفة المساجد والكنائس، والتطريز وسك العملة وغير ذلك من مناحي الحياة بالأندلس.
وفي العصر الفاطمي اعتنى الفاطميون بالخط العربي عناية فائقة واستعملوه في تزيين وزخرفة كل شيء، وظهر الخط (الفاطمي)، وخط (الكوفي الفاطمي) وكتبت به المصاحف، وفي هذا العصر اخترعت أقلام الحبر السائل ذات الخزان الذي يحوي حبرًا يسيل على ريشة دقيقة يكتب بها.
وفي العصر الفاطمي اخترعت أقلام دقيقة بسن يكتب خطًا بعرض مليمتر واحد خُطت بها مصاحف صغيرة توضع في الجيب أو تعلق على الصدر.
وفي العصر العثماني تفوَّق الأتراك في الخط الثلث وطوَّروه وكتبوا به مصاحف كثيرة، وأبدعوا فيه وزينوه، ثم أبدعوا في خط المصاحف الصغيرة.
ويعد العصر العثماني العصر الذهبي للخط العربي؛ حيث ابتدع الخطاطون فيه خطوطًا جديدة كالرقعة والديواني والطغراء، هذا بجانب تطوير الخطوط القديمة والإبداع فيها.
وابتكر الخطاطون الإيرانيون الخط الفارسي، ثم ابتكروا خط (النستعليق) من الخط الفارسي والنسخ والتعليق، وطوروا الخط الكوفي، وكتبوا المصاحف بجميع خطوطهم التي ابتدعوها وطوروها. واحتل الخط العربي الصدارة في تزيين وزخرفة مدنهم ومساجدهم ومبانيهم.
أصبحت هراة في عهد الصفويين عاصمة الخط والتصوير، وكان بهزاد معلم التصوير، وموجه الخطاطين، وكان الخطاطون في إيران يفخرون بكتابة المصحف الشريف.
يتضح من هذه العجالة أن أنواع الخطوط كثيرة، وأن لكل خط مجالاته التي يبرز فيه، و كان المصحف الشريف أجل هذه المجالات وأوجبها بالعناية والاهتمام والتجويد؛ فهو عمل محبب للنفس يستوجب رضى الله وقبوله، فلما لا يكون الخط هو المادة النورانية التي تشع جلالا وعظمة، وتكون هي ملهمة الإنسان المسلم في مهمته الفنية الجليلة كخطاط ومزخرف ليتناول هذه المادة النورانية –الخط- فيخلق فنا قائمًا على أدراك العلم بالحرف العربي، فيضع له قواعده ونسبه وفقا لفلسفة ذاتية للفنان المسلم مرتبطة بعالمه المادي المحيط، وتراوح هذه البيئة بين البيئة القاسية الحادة التي تعج بالحرارة القاسية والحياة الوعرة والصحارى القاحلة، أو البيئة البديعة المليئة بعناصر الجمال كالخضرة والأشجارة والينابيع والطيور والأزهار والورود والجو اللطيف، وغير ذلك من البيئات التي تتراوح بين ما ذكرنا.
والآن نذكربعضًا من أنواع الخطوط التي كتبت بها المصاحف:

·         الخط الكوفي:
من أقدم الخطوط العربية، وقد كتبت به المصاحف خمسة قرون حتى القرن الخامس الهجري، حين نافسته الخطوط الأخرى كالثلث والنسخ وغيرهما. (وأقدم الأمثلة المعروفة من هذا الخط من القرآن نسخة سجلت عليها وقفية مؤرخة في سنة (168هـ= 784-785م) وهي محفوظة في دار الكتب المصرية بالقاهرة.
(وكان كتّاب الوحي يكتبون به آيات القرآن الكريم على سعف النخيل والجلود ورقائق العظام، وكان الناس في العصر الجاهلي والراشدي يكتبونه بشكل بدائي وبسيط، خالياً من النقط والهمزات والتشكيل)، فلما جاء الإجماع بجمع الوحي في مجلد واحد تم جُمع المصحف على صحائف من الرقّ متشابهة في الطول والعرض متفقة في النوع مرتبة بين دفتين، ثم بعد ذلك جاءت مصاحف الأمصار (المصاحف الأئمة) التي أمر بها الخليفة الراشد عثمان بن عفان t وكلها بخط زيد بن ثابت، ويقال لها المصاحف العثمانية برغم أنها ليست بخط عثمان t لكن ذلك نسبة إلى أمـره وعهـده.
يستعمل هذا الخط بأنواعه المختلفة والكثيرة للزخارف والزينة، وكتبت به المصاحف على الرق حتى القرن التاسع الميلادي حيث ظهرت الخطوط الكوفية فيها غليظة ومستديرة، وذات مدّات قصيرة. وقد (استخدم الخط الكوفي في مصر والشام والعراق خلال القرن التاسع وشطرًا من القرن العاشر الميلادي). واستمر استعماله حتى القرن الحادي عشر حيث قلّ استعماله في كتابة القرآن الكريم، وأصبح خط النسخ بديلاً له، ولم يبق منه شيء إلا في كتابة البسملة.

·         خط النسخ:
ابتكره العباسيون وتفننوا فيه، وهو من فروع خط الثلث، وهو من أجمل الخطوط التي كتبت بها المصاحف، والمخطوطات، والصحف.

·         خط الثلث:
من أجمل الخطوط العربية، نشأ في العصر الأموي، وابتكر منه خطوط كثيرة، وكتبت به بدايات المصاحف، وكان المجيدين من الخطاطين يكتبون به مصاحف كاملة بديعة. كما استخدم في التزيين والزخرفة للمباني والقصور والمساجد، وغير ذلك.

·         الخط الفارسي:
خط إيراني بديع دقيق لا يحتمل التشكيل كتبت به الآيات القرآنية كلوحات، وكتب به بعض المصاحف في المشرق.

·         الخط المغربي:
هو خط وجد في المغرب العربي وحل بها مكان الخط الكوفي، وله تسميات متعددة، كالخط القرطبي والقيرواني والأندلسي، كتبت به المصاحف في هذه المناطق.

وهنا نماذج من هذه المصاحف:


قطعة بخط الحجازي القديم القرن الأول الهجري


قطعة من مصحف في بيت القرآن بالبحرين القرن الأول الهجري

مصحف من القرن الأول الهحري

مصحف صنعاء القرن الأول الهجري

مصاحف صنعاء القرن الأول الهجري

من مصاحف القرن الأول الهجري

قطعة من مصحف تعود للقرنين الأول والثاني الهجريين

صورة لمخطوطات مصحف عثمان بن عفان في القاهرة

من مصاحف القرن الأول

قطعة من المصحف مخطوطة أموية

قطعة من المصحف من العصر العباسي

صفحة مصحف بالخط الكوفي المشرقي بتونس 410 هـ

مصحف كتب بالهند القرن السابع الهجري بخط المحقق

مصحف مملوكي متنوع الخطوط كتب باليمن القرن الثامن الهجري

مصحف كتب بسمرقند بخط المحقق القرن التاسع الهجري

قطعة من مصحف من القرن العاشر الهجري

صفحة قرآنية بالخط المغربي من ألأندلس من القرن الرابع عشر الميلادي

صحيفة من العهد المغولي العراق أو إيران بخط محقق جلي

صحيفة كتبت بالخط الكوفي الشرقي بإيران في العصر السلجوقي

المصادر:

رحلة الخط العربي من المسند إلى الحديث
أحمد شوحان
الخط العربي وفنونه 

الخط العربي .. رحلة الفن والإبداع
عبدالغني يحيى الأباره
خطوط اللغة العربي

رحلة الحرف العربي

رحلة الخط العربي من الكتابة النبطية إلى المدرسة الدشقية
أحمد أبو الحسن
الحروف العربية وتاريخ الخط العربي
رحلة مع الخط العربي
عبد الباسط البيرم
وقفة مع بعض الخطاطين الأوائل

http://www.quran-alrabita.com/vb/showpost.php?p=4704&postcount=39
http://news.nawaret.com/?p=251838

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق